من يوقف فوضى الستريمرز التونسيين؟ ومتى يُفعّل القانون عدد 54؟

اكتشف كيف تواجه تونس انتشار 'الستريمرز' وتأثير محتوياتهم المباشرة. في الوقت الذي تهدف فيه القانون 54 لسنة 2022 إلى تنظيم الأنشطة الرقمية، لماذا لا تزال هذه المنصات خارج نطاق الرقابة التشريعية؟ تسليط الضوء على مسألة الخصوصية ومسؤولية منشئي المحتوى

· دقيقة قراءة
من يوقف فوضى الستريمرز التونسيين؟ ومتى يُفعّل القانون عدد 54

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، ظهرت على الساحة التونسية مجموعة من "الستريمرز" الذين يقدمون بثوثًا مباشرة يومية تتسم بدرجات عالية من العنف اللفظي، السب، الشتم، الإهانة، التهديد، التحريض وحتى التشهير، أمام جمهور واسع يضم فئات عمرية هشة، وعلى رأسها القُصّر. هذه المجموعة من الستريمرز التونسيين باتت تُكرّر نفس السلوكيات يومًا بعد يوم، دون أدنى رقابة أو محاسبة.

تبرعات مالية، محتوى سامّ، ولا قانون يُطبّق

اللافت أن هذا النوع من المحتوى لا يُنتج بدافع فردي أو لحظي، بل أصبح منظّمًا ضمن شبكات بثّ مباشر تعتمد على التبرعات كمصدر دخل أساسي، حيث يتحول كل شتم أو تهديد إلى ربح مالي فوري، ويُكافأ الانحراف بعدد أكبر من المشاهدات والتبرعات.

القانون عدد 54 لسنة 2022... حبر على ورق؟

تم سنّ القانون التونسي عدد 54 لسنة 2022 بهدف مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. وينصّ بوضوح في فصله الـ24 على تجريم نشر الأخبار الكاذبة والتهديد والسب والشتم عبر الوسائل الرقمية، مع تسليط عقوبات بالسجن تصل إلى خمس سنوات، وغرامات مالية ثقيلة.

كما ينص الفصل 25 من القانون ذاته على معاقبة كل من ينشر محتوى يحرض على الكراهية أو العنف أو ينال من الكرامة الإنسانية عبر الفضاء الرقمي.

ومع ذلك، لا نجد هذا القانون يُطبَّق على الستريمرز التونسيين الذين يمارسون هذه الأفعال بصفة يومية. فما السبب؟ هل هناك فراغ تشريعي؟ أم انتقائية في التطبيق؟ أم أن هناك جهات ما تُغضّ الطرف عمداً؟

المسؤولية مشتركة: الصمت الرسمي يُعمّق الأزمة

حين يصبح المحتوى السام أداة للربح، ووسيلة للشهرة، دون أي تدخل من الجهات القضائية أو الأمنية، فإن الأمر لا يعود مجرد تجاوز فردي، بل يتحول إلى ظاهرة خطيرة تُهدد توازن المجتمع.

الدولة، بسلطاتها الثلاث، مُطالَبة بتحمّل مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية. فالسكوت عن هذه المجموعة من الستريمرز يُعتبر مشاركة غير مباشرة في نشر الفتنة والانحطاط القيمي، ويبعث برسالة سلبية إلى الشباب مفادها أن من "يصرخ أكثر ويُهين أكثر" هو من يربح أكثر.

إما أن نكون دولة قانون تُطبّق نصوصها على الجميع، أو نترك المجال لـ"جمهورية الستريمرز" لتفرض واقعها الفوضوي دون حسيب ولا رقيب.