في عالم تيك توك التونسي، تدور مبالغ مالية خيالية في الخفاء، تصل إلى 10,000 - 30,000 يورو يوميًا، دون أي رقابة قانونية أو مالية. ستريمرات بلا محتوى يحصدون آلاف اليوروهات يوميًا، وداعمون مجهولو الهوية يغدقون عليهم بالهدايا الفاخرة، السيارات، والتحويلات المالية الضخمة، بينما يبقى المصدر الحقيقي لهذه الأموال لغزًا غامضًا.
هل هي أموال سياسية؟ هل تعود لثروات مهربة من تونس بعد ثورة الياسمين؟ أم أنها مجرد واجهة لعمليات غسيل أموال دولية؟ في ظل غياب الرقابة، أصبحت تيك توك بيئة خصبة للتلاعب المالي والتهرب الضريبي والابتزاز العلني، فيما يبقى المراهقون والجمهور التونسي أكبر الضحايا.
أموال مشبوهة وداعمون مجهولون: من يتحكم في اللعبة؟
في المشهد الحالي، هناك فئة من الستريمرات الذين يتلقون دعمًا ماليًا ضخمًا من شخصيات غامضة تستخدم أسماءً مستعارة. هؤلاء الداعمون يرسلون هدايا تصل قيمتها إلى آلاف اليوروهات، بل وحتى سيارات فاخرة، دون أن يتم التحقق من مصدر الأموال أو الغرض الحقيقي من هذه “الهبات”.
الأسئلة التي تفرض نفسها:
• من هم هؤلاء الداعمون؟ لماذا يختفون خلف حسابات غير معروفة؟
• كيف يتم تمرير هذه الأموال دون رقابة؟ وما علاقتها بالاقتصاد الموازي؟
• هل هناك أي صلة بين هذه الأموال والثروات المهربة من تونس بعد سقوط النظام السابق؟
الشكوك تتزايد حول كون هذه التحويلات قد تكون جزءًا من شبكة غسيل أموال دولية، حيث يتم استخدام تيك توك كمنصة آمنة لتحويل أموال غير شرعية عبر بايبال، العملات الرقمية، أو حتى التحويلات البنكية المشفرة.
سويسرا.. الوجهة النهائية للأموال المهربة؟
منذ سقوط النظام السابق، سمعنا عن مليارات الدنانير التونسية المجمّدة في البنوك السويسرية. هذه الأموال التي هُرّبت من تونس منذ سنوات، لم يتم استرجاع سوى جزء ضئيل منها، لكن أين اختفى الباقي؟
اليوم، مع تنامي ظاهرة الستريمرات على تيك توك، هناك تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الأموال تجد طريقها للعودة إلى تونس عبر منصات غير رسمية مثل تيك توك. بعض الستريمرات يتلقون تحويلات مشبوهة، ويقومون بسحب الأموال بطريقة يصعب تتبعها، مما يفتح الباب أمام إمكانية إعادة تدوير أموال قديمة بطرق حديثة.
“ادعمني وإلا نسبلك أمك”: تيك توك يتحول إلى منصة ابتزاز
اللايفات لم تعد مجرد بث مباشر، بل أصبحت معركة نفسية واستفزازية لجذب الأموال من المشاهدين. بعض الستريمرات يعتمدون على الابتزاز العاطفي والضغط النفسي لدفع المتابعين إلى إرسال الهدايا المالية.
الأساليب المستعملة تشمل:
• السب العلني والاستفزاز: ستريمرات يهددون متابعيهم علنًا بعبارات مثل “ادعمني ولا نسبلك أمك”.
• التشهير وتصفية الحسابات: حملات منظمة ضد ستريمرات آخرين، تصل إلى تسريب معلومات خاصة عنهم.
• التظاهر بالفقر أو المرض: ادعاء الحاجة المالية للحصول على أكبر قدر من التبرعات.
والنتيجة؟ تحويلات مالية ضخمة تتم تحت الطاولة، ووسطاء يجمعون الأموال، والجمهور التونسي والمراهقون هم الضحايا الأكبر.
تحويلات تحت الطاولة: كيف تخرج الأموال من تونس؟
على الرغم من أن البنك المركزي التونسي يفرض قيودًا على التحويلات المالية الدولية، فإن الستريمرات وجدوا طرقًا بديلة لإخراج الأموال من تونس، منها:
• بايبال: يتم تحويل الأرباح إلى حسابات خارجية ثم تُسحب نقدًا في دول أخرى.
• الكريبتو (العملات الرقمية): يتم تحويل الأموال إلى عملات مشفرة مثل بيتكوين، ثم تبادلها خارج تونس.
• الحوالات غير الرسمية: يتم إرسال الأموال عبر شبكة وسطاء خارج النظام البنكي الرسمي.
هذه الطرق تجعل من الصعب على الدولة تتبع الأموال أو فرض ضرائب عليها، مما يحوّل تيك توك إلى قناة تهريب أموال جديدة.
ما الذي يمكن أن تفعله الدولة؟
حتى وإن كان الستريمرات والداعمون خارج تونس، لا تزال هناك حلول قانونية يمكن اتخاذها للحد من هذه الفوضى المالية:
1. مراقبة التدفقات المالية
• إلزام البنوك وشركات الدفع بالإبلاغ عن أي تحويلات مشبوهة.
• وضع قيود على سحب الأموال الرقمية وتحويلها للخارج.
2. فرض ضرائب على مداخيل تيك توك
• إجبار تيك توك على تقديم بيانات رسمية عن مداخيل الستريمرات التونسيين، كما تفعل دول مثل فرنسا وألمانيا.
• فرض ضرائب على الأرباح المحصّلة عبر الهدايا الرقمية والتحويلات البنكية.
• محاسبة الستريمرات الذين يجنون آلاف اليوروهات يوميًا دون أي تصريح ضريبي.
3. مكافحة غسيل الأموال عبر تيك توك
• فرض قوانين تمنع تحويل الأموال مجهولة المصدر عبر المنصات الرقمية.
• التعاون مع البنوك الأجنبية لمراقبة أي تدفقات مالية مشبوهة مصدرها تونس أو وجهتها تيك توك.
• إجبار منصات الدفع مثل بايبال على تقديم تقارير مفصّلة حول المعاملات المالية المشبوهة.
4. محاربة المحتوى السام والابتزاز الرقمي
• إجبار تيك توك على إغلاق الحسابات التي يثبت تورطها في الابتزاز، السب العلني، والممارسات غير الأخلاقية.
• سنّ قوانين تعاقب الستريمرات الذين يستغلون الأطفال والمراهقين لجمع الأموال.
• إطلاق حملات توعية للشباب حول مخاطر هذه الظاهرة وتأثيرها على المجتمع.
هل تتحرك الدولة أم تظل متفرجة؟
في ظل الصمت الرسمي، يستمر تيك توك في التحول إلى سوق سوداء للأموال المجهولة المصدر. ستريمرات بلا محتوى يجمعون ثروات طائلة، داعمون في الظل يوزّعون آلاف اليوروهات يوميًا، وشبكات مالية غير قانونية تشتغل تحت الطاولة دون حسيب أو رقيب.
إذا لم تتحرك الدولة بسرعة لفرض رقابة مالية وقانونية، فإن تيك توك سيصبح أكبر منصة لغسيل الأموال، تهريب الثروات، والتأثير المالي المشبوه في تونس. فهل ستتدخل السلطات لوضع حدٍّ لهذه الفوضى، أم أن تيك توك سيبقى بوابة مفتوحة للمال الفاسد والنفوذ الخفي؟