تيك توك تونس: فوضى التنمر والكراهية في غياب الرقابة وتطبيق قانون 54

تحوّل تيك توك تونس إلى ساحة مفتوحة للتنمر والكراهية، في ظل غياب الرقابة وضعف تطبيق قانون 54. كيف تؤثر هذه الفوضى الرقمية على الشباب؟ وما المخاطر الحقيقية وراء هذه المنصة؟ اكتشف التفاصيل الكاملة

· دقيقة قراءة
فوضى التنمر والكراهية في غياب الرقابة وتطبيق قانون 54

في ليلة العيد، تحوّلت منصة تيك توك التونسية إلى ساحة للجدل والنقاش، حيث انتشرت عبرها موجات من الكلام الزايد والتنمر والخدش بالحياء. مشهدٌ رقمي مليء بالعنف اللفظي والتمييز بين المستخدمين، يشمل التنمر على أساس البشرة والانتماءات الجهوية، ما يعمق الانقسامات ويعزز بث الكراهية بين التونسيين. وبينما تتفاقم الأزمة، يقف الجميع أمام تساؤلات حول دور السلطات وغياب الرقابة القانونية والمالية، مما يهدد بتعميق التوترات الاجتماعية.

الكلام الزايد والتنمر: مأزق اجتماعي

أصبحت تيك توك التونسية ساحة خصبة لنشر الكلام الزايد، حيث يعمد بعض الستريمرات إلى استخدام أساليب التنمر والتهجم على الآخرين بهدف جذب المشاهدات وزيادة التفاعل. هذه المحتويات، التي تعتمد على التنمر العرقي أو الجهوي، أصبحت خطراً حقيقياً على النسيج الاجتماعي في تونس، مما يزيد من التوترات ويفتح الباب أمام التحريض بين المستخدمين.

تنص المادة 14 من قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية (عدد 5 لسنة 2019) على معاقبة كل من ينشر محتويات تحرض على الكراهية أو تمييز على أساس عرقي أو جهوي، وهو قانون لا يزال غير مطبّق بفعالية على المنصة، مما يعمّق الأزمة ويفتح المجال أمام انتهاكات أكبر.

التدفقات المالية المشبوهة: لغز بلا إجابة

من جانب آخر، شهدت المنصة تدفقات مالية ضخمة، حيث تحصل بعض الستريمرات على مبالغ كبيرة من خلال الهدايا المالية والاشتراكات، دون رقابة واضحة من قبل الدولة. هذه التدفقات، التي لا يُعرف مصدرها، تثير الشكوك حول مدى قانونيتها وشرعيتها.

تفرض المادة 94 من قانون غسل الأموال (عدد 2015-26) ضرورة التحقيق في أي تدفقات مالية غير شفافة، خاصة تلك التي تُضخ عبر منصات التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، تبقى هذه الأموال بلا رقابة تُذكر، ما يزيد من تفاقم الفوضى الرقمية ويفتح الباب أمام تساؤلات حول احتمالات التواطؤ.

الحصانة المزعومة: غياب المحاسبة

بينما تعاني المنصة من الانفلات الرقابي، تشير بعض التقارير إلى أن بعض الستريمرات يتمتعن بحصانة غير معلنة، ما يحميهن من المحاسبة القانونية رغم التجاوزات الواضحة. تثير هذه الحصانة شكوكاً حول وجود جهات توفر الحماية لهذه الفئة، مما يساهم في استمرار هذا النوع من المحتويات.

تنص المادة 15 من قانون حماية المعطيات الشخصية (عدد 63 لسنة 2004) على ضرورة ملاحقة الأفراد الذين ينشرون محتويات تضر بالسلامة المجتمعية، وهو قانون يتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات المسؤولة لوضع حد لهذه التجاوزات.

غياب تطبيق قانون 54: أين الرقابة؟

رغم إصدار قانون 54، الذي يهدف إلى تنظيم المحتوى الرقمي ومنع التحريض والعنف اللفظي، إلا أن تطبيق هذا القانون على منصة تيك توك يكاد يكون غائباً. يستمر بعض الستريمرات في نشر محتويات تتعدى على الحريات الفردية وتثير الفتن الاجتماعية دون أن تواجه أي ردع قانوني.

قانون عدد 54 لسنة 2022 ينص على ضرورة معاقبة نشر المحتويات التحريضية، ويُلزم المنصات بمراقبة مثل هذه المواد وحذفها. تفعيل هذا القانون بشكل صارم قد يكون الحل الوحيد لضمان حماية الفضاء الرقمي وضمان احترام القيم الأخلاقية.

الأموال والجهويات دون رقابة: مصدر خطر

من بين الأخطار التي تواجه المجتمع التونسي اليوم، التدفقات المالية غير المراقبة التي تصل إلى بعض الستريمرات، ما يعزز التفرقة الجهوية ويستخدم التنمر كوسيلة لجني الأرباح. غياب الرقابة المالية يُضاعف هذه الأزمة، ويجعل المحتويات السامة وسيلة سهلة لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة.

قانون المنافسة والأسعار (عدد 36 لسنة 2015) يلزم الجهات الرقابية بمتابعة الأنشطة التجارية والمالية على الإنترنت، لضمان الشفافية ومنع الاحتكار أو استغلال المحتويات الضارة لتحقيق الأرباح. ومع ذلك، يبقى هذا القانون غير مفعّل بما يكفي لضبط الفوضى المالية.

أين الدولة؟ مسؤولية الغياب

وسط كل هذه الفوضى، يبقى السؤال الأكبر: أين الدولة التونسية من كل هذا؟ لماذا لم تتدخل السلطات حتى الآن لتنظيم الأنشطة الرقمية والتحقيق في مصادر الأموال الضخمة التي تتدفق عبر المنصة؟ غياب الرقابة والتنظيم القانوني يجعل الدولة تبدو وكأنها غائبة عن المشهد، أو متواطئة بشكل غير مباشر مع الجهات المستفيدة.

تلعب وزارة تكنولوجيا الاتصال وهيئة مكافحة الفساد دوراً حاسماً في مراقبة الأنشطة الرقمية، وتنص المادة 44 من قانون الجرائم الإلكترونية على ضرورة إشراف الوزارة على المنصات الرقمية لضمان عدم انتهاكها للقوانين الوطنية.

مسؤولية داعمي المحتوى السام: حساب بلا عقاب

في ظل تزايد المحتويات السامة على المنصة، يجب مساءلة الداعمين والممولين لهذه المحتويات، سواء كانوا أفراداً أو شركات. يتساءل كثيرون عن دور هؤلاء الداعمين في تأجيج التوترات الاجتماعية وتعزيز الفوضى الرقمية.

وفقًا للمادة 32 من قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، يُعتبر كل شخص يدعم أو يمول المحتويات الضارة مسؤولاً قانونياً حتى وإن كان خارج الحدود التونسية. ويمكن للدولة ملاحقة هؤلاء الداعمين بالتعاون مع السفارات التونسية والجهات الدولية.

دور السفارات التونسية: تعاون دبلوماسي لملاحقة الخارجين

لضمان ملاحقة الجهات الخارجية التي تدعم أو تمول المحتويات السامة على تيك توك، يجب على السفارات التونسية التعاون مع الدولة لإرسال تقارير دورية حول الأنشطة المالية أو الإعلامية المشبوهة. تُلزم قوانين البعثات الدبلوماسية التونسية (عدد 89 لسنة 1985) السفارات بمراقبة وتحليل أي أنشطة تُهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.

تفعيل التعاون الدولي: الملاحقة عبر الحدود

يمكن لتونس تفعيل التعاون الدولي عبر اتفاقيات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (2000)، لضمان محاسبة الأفراد أو الشركات المتورطة في تمويل المحتويات السامة، حتى وإن كانت هذه الأنشطة تتم على منصات مثل تيك توك.

إضافة إلى ذلك، يمكن لتونس التعاون مع الشرطة الدولية (الإنتربول) لملاحقة الخارجين عن القانون الذين يمولون الأنشطة غير المشروعة، وضمان حماية الأمن الرقمي والاجتماعي للبلاد.

تونس اليوم تواجه تحديات خطيرة على منصة تيك توك، حيث تنتشر محتويات سامة تعتمد على التنمر والكراهية لزيادة المشاهدات والأرباح. يبقى تدخل الدولة التونسية أمرًا ملحًا لضبط هذه الفوضى، من خلال تفعيل القوانين الموجودة، وملاحقة الممولين، وتطبيق العقوبات على الستريمرات اللواتي يتجاوزن الحدود الأخلاقية والقانونية.

كما يجب على الدولة أن تتعاون مع الجهات الدولية والسفارات لضمان ملاحقة الممولين الخارجيين وضبط التدفقات المالية المشبوهة التي تزيد من تفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.