تحوّل تيك توك في تونس إلى أكثر من مجرد منصة ترفيهية، بل أصبح فضاءً تتحرك فيه أموال ضخمة بشكل يومي، عبر ما يُعرف بـ”إنستاليقو التيكتوك التونسي”، حيث يبرز كبار الداعمين الذين يرسلون مبالغ ضخمة للمؤثرين والستريمرات، لكن دون الكشف عن هوياتهم. مع تزايد هذه الظاهرة، يواجه التونسيون تساؤلات حول مصدر هذه الأموال، وهل يمكن أن تكون مرتبطة بتبييض أموال أو تمويلات سياسية؟ وما هو موقف القانون التونسي من كل ذلك؟

كبار الداعمين: هويات مخفية وأموال مجهولة المصدر
من خلال متابعة تيك توك التونسي، نجد أن كبار الداعمين يتمتعون بسرية تامة، حيث لا تظهر إلا أسماؤهم المستعارة، بينما تبقى هوياتهم الحقيقية مجهولة. المثير للانتباه أن الغالبية العظمى منهم ينحدرون من جهة الساحل التونسي، ما يطرح تساؤلات حول مدى تأثير هذه الدائرة المغلقة على المشهد المالي للمنصة.
في كل يوم، تُنفق أموال طائلة لدعم الستريمرات، دون أي رقابة مالية واضحة، ودون معرفة ما إذا كانت هذه الأموال خاضعة للضرائب أو قادمة من مصادر قانونية. هذا الغموض يُثير مخاوف كبيرة، خاصة أن بعض التقارير تُشير إلى أن جزءًا من هذه الأموال يأتي من الخارج، وتحديدًا من فرنسا وسويسرا ودبي.
تيك توك التونسي: من الترفيه إلى الدراما والتجاوزات
لم يعد تيك توك مجرد فضاء للتسلية، بل تحوّل إلى مسرح للصراعات والدراما بين الستريمرات، حيث تتخلل البثوث المباشرة مشاحنات، سب وشتم، تهديدات، وحتى تصفية حسابات سياسية واجتماعية.
إضافة إلى ذلك، أصبح الستريمر في تونس يحقق مداخيل تفوق أجور الأطباء والمهندسين وحتى بعض الوزراء. سيارات فاخرة، هدايا ثمينة، وحياة مترفة، كلها باتت عناوين لحياة المؤثرين الجدد، في وقت يواجه فيه المواطن العادي صعوبات اقتصادية خانقة.
عيد الاستقلال والخلعة الكحلة: تيك توك كفضاء للتهديدات والانقسامات
يوم 20 مارس، الذي يُفترض أن يكون مناسبة وطنية للاحتفال بعيد الاستقلال، أصبح في السنوات الأخيرة فرصة لعودة “الخلعة الكحلة” على تيك توك، حيث تنتشر رسائل التهديد والتخويف، إلى جانب ازدياد موجة السبّ والشتم والجهويات، ما يُعزز الانقسامات داخل المجتمع التونسي.
في غياب رقابة واضحة على هذه السلوكيات، تتحول هذه المنصة إلى أداة لتأجيج الفتن، بدلاً من أن تكون مساحة للتواصل الإيجابي.
الجانب القانوني: موقف الدولة من التمويلات المشبوهة على تيك توك
تونس لديها إطار قانوني صارم لمكافحة غسيل الأموال والتهرب الضريبي، لكن يبدو أن هذه القوانين لم تواكب بعد التحولات الرقمية الجديدة، خصوصًا تلك المتعلقة بالاقتصاد الرقمي.
1. مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
وفقًا للقانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، يُعتبر كل تدفق مالي مجهول المصدر أو غير مبرر خاضعًا للتحقيق من قبل السلطات المختصة، مثل:
• اللجنة التونسية للتحاليل المالية (CTAF)
• البنك المركزي التونسي
• الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد
2. الرقابة على التحويلات المالية والتهرب الضريبي
القانون التونسي يُلزم كل من يحصل على مداخيل مالية بالتصريح بها ودفع الضرائب عليها، وفقًا للفصل 44 من مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات.
في هذه الحالة، فإن أي ستريمر يحقق مداخيل كبيرة دون التصريح بها، يُعتبر مخالفًا للقانون، ما يجعله عرضة للعقوبات التي تصل إلى الغرامات والسجن.
3. التعامل مع التحويلات المالية المشبوهة
تونس تمنع التعامل بالعملات الرقمية مثل البيتكوين، وتحظر استخدام منصات الدفع الإلكتروني مثل PayPal، وهو ما يُثير تساؤلات حول كيفية حصول بعض الستريمرات على أموالهم من الخارج، وهل يتم ذلك عبر وسطاء ماليين غير شرعيين؟
في حال الاشتباه في أي تمويل غير مشروع، يمكن للجهات الرسمية فتح تحقيقات، وقد يتعرض المتورطون في مثل هذه العمليات إلى عقوبات صارمة، وفقًا لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية.
كيف يمكن للدولة فرض رقابة أكبر على تيك توك؟
1. إلزام تيك توك بالكشف عن مصادر التمويل
على الدولة التونسية أن تطلب من إدارة تيك توك التعاون معها للكشف عن مصادر الأموال المتدفقة داخل البلاد، خاصة عندما تتجاوز مبالغ معينة.
2. متابعة الستريمرات ومطالبتهم بالتصريح بالضرائب
يجب على مصالح الجباية مراقبة الحسابات البنكية للستريمرات الذين يحققون مداخيل ضخمة، وإجبارهم على دفع الضرائب المستحقة عليهم، تمامًا كما هو معمول به في الدول الأخرى.
3. مراقبة تحويل الأموال عبر البنوك وشركات الصرافة
يجب تشديد الرقابة على التحويلات المالية القادمة من الخارج، خاصة من الدول التي تتعامل مع الاقتصاد التونسي بشكل غير مباشر، لضمان عدم وجود تبييض أموال أو تهرب ضريبي.
الشعب التونسي أمام الحيرة: أموال تتدفق بلا تفسير والشباب يطمح لأن يكون ستريمر!
أمام هذا المشهد، يجد المواطن التونسي نفسه في حيرة كبيرة:
• من أين تأتي هذه الأموال؟
• لماذا لا تخضع للرقابة الجبائية؟
• كيف يتحصل الستريمر على دخل يفوق دخل الأطباء والأساتذة؟
• هل تتحرك الدولة لفرض قوانين جديدة على الاقتصاد الرقمي؟
في غياب أجوبة واضحة، يبدو أن الشباب أصبح يرى في التيك توك مستقبلًا أكثر ربحية من الوظائف التقليدية، وهو ما قد يُشكل تهديدًا للقيم الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
خاتمة: ضرورة التحرك العاجل لضبط الفوضى المالية في تيك توك
تحوّل تيك توك في تونس إلى فضاء مالي غير منظم، حيث تتحرك الأموال بسرية تامة دون رقابة واضحة. ومع تزايد تأثير هذه الظاهرة على الاقتصاد والمجتمع، يصبح لزامًا على الدولة أن تتخذ خطوات حاسمة لضبط الأمور قبل فوات الأوان.
في ظل الاحتفال بعيد الاستقلال، يجب أن يكون الحديث عن “السيادة الرقمية” جزءًا من النقاش الوطني، لضمان أن الاقتصاد التونسي لا يتحول إلى ساحة مفتوحة لأموال مجهولة المصدر، قد تكون لها تأثيرات سلبية على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.