في جولات ليلية ساخنة على تيكتوك تونس، تتدفق مبالغ مالية ضخمة في شكل “هدايا رقمية”، تُعرف بدعم الصقور ودعم الأسود. أسماء غامضة، حسابات مجهولة، وأموال تُصرف بلمسة زر. لكن وراء هذه المشاهد المثيرة، أسئلة كثيرة تُطرح: من يُموّل هذه المعارك الرقمية؟ كيف تتحول هذه الهدايا إلى أموال حقيقية؟ والأهم، هل الدولة تراقب أم تكتفي بدور المتفرج؟
أموال ضخمة… لكن من أين؟
يبدو أن تيكتوك أصبح أكثر من مجرد منصة للترفيه في تونس، بل تحوّل إلى ساحة لصناعة الأموال، ولكن بأساليب غير شفافة. الداعمين الكبار غالبًا ما يكونون حسابات بدون هوية واضحة، أحيانًا بأسماء مستعارة وصور غير حقيقية. فهل هؤلاء مجرد متابعين أغنياء يهوون إنفاق أموالهم على صناع المحتوى، أم أن هناك جهات منظمة تستغل المنصة لتمرير أموالها بعيدًا عن الأعين؟
المثير للريبة أن بعض الحسابات تكرر نفس السيناريو في كل جولة، حيث يقوم داعمون بضخ آلاف الدنانير لصالح صناع محتوى معينين، ثم يختفون فجأة. فهل نحن أمام نموذج جديد من غسيل الأموال عبر البث المباشر؟
حيلة البروفايلات الوهمية والتمويه الرقمي
معظم الداعمين الكبار يختبئون وراء حسابات غير معروفة، وغالبًا ما يستعملون شبكات VPN لتغيير مواقعهم الجغرافية، مما يجعل تتبعهم صعبًا. في بعض الحالات، نجد حسابات جديدة تُنفق مبالغ خيالية، ثم تختفي بعد أسابيع قليلة. هذا يطرح تساؤلات جدية:
• هل يتم استخدام تيكتوك كواجهة لغسيل الأموال عبر الداعمين المجهولين؟
• هل يوجد تنسيق بين بعض صناع المحتوى والداعمين بهدف تحويل أموال مشبوهة دون المرور عبر القنوات الرسمية؟
• هل شركات أو أفراد نافذون يستغلون المنصة لتمرير أرباحهم خارج الرقابة البنكية؟
من تيكتوك إلى بايبال… كيف يتم تهريب الأموال؟
تيكتوك يتيح تحويل الهدايا الرقمية إلى أموال حقيقية، لكن كيف يتم سحبها؟ هنا يدخل بايبال كوسيلة رئيسية لاستلام الأرباح، مما يسهل عملية إخراج الأموال من تونس. الطريقة الشائعة كالتالي:
1. يتلقى صانع المحتوى هدايا رقمية بقيمة آلاف الدنانير.
2. يتم تحويل الهدايا إلى رصيد مالي داخل تيكتوك.
3. يسحب الأموال عبر حسابات بايبال، وأحيانًا عبر طرف ثالث خارج تونس.
4. يتم تحويل المبالغ إلى بنوك أجنبية أو تُستخدم لشراء عملات رقمية، مما يصعب تتبعها.
بهذه الطريقة، يمكن تمرير أموال ضخمة دون أي رقابة مالية، وهو ما يفتح الباب أمام عمليات التهرب الضريبي وغسيل الأموال.
هل الدولة التونسية تراقب أم تتفرج؟
أمام هذا الوضع، من الطبيعي أن نتساءل: هل السلطات التونسية على علم بهذه الظاهرة؟ وما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها؟
البنك المركزي يفرض رقابة صارمة على التحويلات المالية، لكن تيكتوك، بفضل طبيعته الرقمية، يتيح لصناع المحتوى تجاوز القوانين بسهولة. غياب التشريعات الواضحة حول الدخل الرقمي يجعل من الصعب فرض ضرائب أو مراقبة هذه الأموال، مما يحوّل تيكتوك إلى “سوق سوداء” مالية لا تخضع لأي ضوابط.
في المقابل، لا يبدو أن هناك تحركات فعلية من الدولة لمراقبة أو تنظيم هذه العمليات. هل يرجع ذلك إلى نقص الخبرة في التعامل مع الاقتصاد الرقمي، أم أن هناك تواطؤًا غير معلن من بعض الجهات النافذة؟
التأثير الاجتماعي: شباب في سباق المال السريع
بعيدًا عن الجانب المالي، تيكتوك يخلق موجة جديدة من المحتوى القائم على الجولات والتحديات المالية. الشباب أصبحوا يرون في المنصة وسيلة سريعة للثراء، دون الحاجة إلى مهارات حقيقية أو مجهود يُذكر.
• عقلية البحث عن المال السهل انتشرت بشكل مخيف بين المراهقين.
• صانعو المحتوى يتنافسون على “من يجلب أكبر عدد من الداعمين”، بدل تقديم محتوى ذو قيمة.
• بعضهم يلجأ إلى استفزازات وإثارة الجدل لجذب التبرعات، مما يخلق محتوى فارغًا وسامًا.
الحلول الممكنة: هل من مخرج؟
للحد من هذه الظاهرة، يجب اتخاذ إجراءات حازمة:
1. إجبار تيكتوك على مشاركة بيانات التحويلات المالية مع الدولة: يجب أن يكون هناك تعاون رسمي بين المنصة والجهات التونسية.
2. فرض ضرائب على الأرباح الرقمية: أي دخل يُحقق عبر تيكتوك يجب أن يُصرح به ويدخل ضمن الإطار القانوني.
3. حظر الحسابات المشبوهة: تشديد المراقبة على الحسابات التي تنفق أموالًا ضخمة دون هوية واضحة.
4. توعية الشباب: التركيز على مخاطر المحتوى الرقمي الفارغ، وتشجيعهم على استغلال المنصات بطرق أكثر فائدة.
الخلاصة: اقتصاد رقمي خارج السيطرة؟
تيكتوك تونس لم يعد مجرد منصة ترفيه، بل أصبح بوابة لأموال ضخمة تتدفق دون رقابة. في ظل هذا الوضع، إما أن تتحرك الدولة لفرض الشفافية، أو أن تتحول المنصة إلى ملاذ آمن لشبكات المال المشبوه. السؤال المطروح: هل نحن أمام اقتصاد رقمي جديد… أم مجرد فوضى مالية رقمية؟