في خضم الفوضى الرقمية: لعبة الاحتيال على "تيك توك" في تونس
في قلب الفوضى الرقمية التي تعيشها منصة تيك توك في تونس، تظهر ظاهرة مشبوهة تستهدف جيوب المواطنين وثقتهم على حد سواء. مجموعة من الستريمرات المعروفين يقومون بأدوار مختلفة على المسرح الافتراضي، لكن خلف الكواليس، يجتمعون في غرف دردشة سرية حيث يتم التخطيط لمسرحيات مفتعلة، بينما تتحرك "ماكينة" خفية تمتص أموال الداعمين بطرق قد تكون غير قانونية.
الحسابات الوهمية: "دعم محبة" أم غسيل أموال؟
بينما تنطلق الجولات اليومية التي أصبحت تشبه مباريات كرة القدم الليلية، يبرز سؤال خطير: من هم هؤلاء الداعمون المخفيون الذين يظهرون فجأة بأسماء مثل سمير الحاج، الكاسر، ثامر، صدام حسين، Mr. Flash وغيرهم؟ ولماذا تدعم هذه الحسابات نفس المجموعة من الستريمرات ثم تختفي فجأة دون أثر؟
تتعدد السيناريوهات، لكن جميعها تثير علامات استفهام كبرى:
- حسابات وهمية مشحونة ببطاقات مسروقة أو مأخوذة بطرق احتيالية من الخارج.
- غسيل أموال مقنع عبر الهدايا الرقمية التي يتم سحبها وتحويلها إلى أموال نقدية نظيفة.
- استخدام منصة تيك توك كوسيلة لتمرير أموال غير مشروعة دون لفت الانتباه.
الأمر لم يعد مجرد تكهنات، بل أصبح نمطًا ثابتًا يتكرر يوميًا، بينما تلتزم الجهات الرسمية الصمت.
الستريمرات: خصوم أمام الكاميرا.. شركاء في الخفاء
على السطح، يبدو الصراع بين هؤلاء المؤثرين حقيقيًا: تبادل الشتائم، معارك مباشرة، إهانات وصراعات تشعل الحماس بين المتابعين. لكن خلف الكواليس، هناك حقيقة مختلفة تمامًا: هؤلاء الأشخاص يعملون معًا، يخططون للدراما مسبقًا، ويتقاسمون الأرباح. الدليل؟ تسريبات محادثات خاصة تؤكد أنهم يتواصلون عبر مجموعات واتساب سرية للتنسيق بين بعضهم البعض.
هذه الحيلة تلعب على وتر العاطفة، فتزيد حماسة الجمهور، الذي يُدفع للدعم المادي دون أن يدرك أنه مجرد وقود في ماكينة مالية ضخمة تديرها "شبكة" من الستريمرات والداعمين المزيفين.
أين الدولة؟ هل نحن أمام مخطط احتيال رقمي ضخم؟
السؤال الأكثر خطورة هنا: لماذا لا تتدخل السلطات التونسية؟ ولماذا لا يتم التحقيق في هذه الأموال التي تمر عبر تيك توك دون أي رقابة مالية؟
هل تُستخدم هذه الأموال في تمويل نشاطات غير قانونية؟
لماذا لا يتم إجبار تيك توك على الكشف عن مصادر هذه الأموال؟
أين وحدة مكافحة الجرائم المالية من هذه الظاهرة؟
إذا كانت هذه الحسابات المجهولة تستخدم طرقًا غير قانونية لشحن أرصدتها، فهذا يعني أننا أمام واحدة من أكبر عمليات الاحتيال الرقمي التي شهدتها تونس، والتي قد تصل إلى تهم غسل الأموال، الاحتيال المالي، والتهرب الضريبي.
الحلول القانونية: هل حان وقت التحرك؟
قانونيًا، يمكن للسلطات التونسية التحرك فورًا من خلال:
- فرض رقابة صارمة على التحويلات المالية المرتبطة بمنصات التواصل الاجتماعي.
- التعاون مع تيك توك للكشف عن الحسابات التي تتلقى أموالًا ضخمة بدون شفافية.
- ملاحقة الحسابات الوهمية قانونيًا لمعرفة مصدر الأموال المشبوهة.
- سن تشريعات جديدة تفرض التصريح عن الدخل المكتسب عبر المنصات الرقمية.
احتيال منظم أم فوضى غير منظمة؟
ما يحدث على تيك توك ليس مجرد "ترفيه"، بل لعبة اقتصادية قذرة تستغل ضعف القوانين الرقمية في تونس. بينما يعتقد المشاهدون أنهم جزء من معركة، هم في الواقع ضحايا أكبر مخطط استغلال مالي رقمي في البلاد.
إذا لم تتحرك الدولة، فإن الخطر لا يقتصر فقط على خسارة الأموال، بل على تحويل المنصات الرقمية إلى سوق سوداء لتبييض الأموال وتمويل أنشطة مشبوهة. فإلى متى ستبقى الدولة في موقف المتفرج؟