في 20 مارس، يصادف عيد الاستقلال في تونس، الذي يُحتفل به كذكرى نضال الشعب التونسي من أجل الحرية. ومع ذلك، هذا العام، تتزامن هذه الذكرى مع تحديات جديدة فرضتها منصات التواصل الاجتماعي، وبالتحديد تيكتوك، الذي تحوّل من مجرد منصة ترفيهية إلى ساحة سياسية متشابكة في أموال ضخمة، تزايدت فيها الشكوك حول مصادر التمويل وغياب الشفافية. تونس، التي تمر بفترة اقتصادية صعبة، باتت ترى في تيكتوك ساحة جديدة للانقسامات السياسية والاقتصادية، وتُطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل هذه الظواهر، وأثرها على البلاد.
منصة ترفيهية تتحول إلى منصة سياسية
من المعروف أن تيكتوك كان في البداية منصة ترفيهية تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب. ومع مرور الوقت، بدأت تتغير ملامح هذه المنصة في تونس، لتصبح ساحة لإطلاق الأراء السياسية، بل واستخدامها في تحقيق أهداف شخصية قد تكون بعيدة كل البعد عن الترفيه البريء. ومن بين أبرز هذه الظواهر، نجد الحسابات التي تستقطب الملايين من المتابعين عبر التحديات، البث المباشر، وجولات الدعم المالي، وكلها مرتبطة بشكل أو بآخر بالتيكتوك.
تدور الشكوك حول مصدر هذه الأموال الطائلة التي تُستخدم لدعم هذه الحسابات. في ظل غياب الشفافية حول كيفية جمع هذه الأموال، نجد أن بعضها يأتي من دول خارج تونس، خاصة من سويسرا، دبي، وفرنسا. ما يثير القلق هو احتمالية أن تكون هذه الأموال جزءًا من عمليات تبييض أموال أو حتى أموال مهربة خرجت من تونس نفسها.
غموض مصادر التمويل: أموال مشبوهة أم تبييض أموال؟
يواجه هذا التحول الكبير في استخدام تيكتوك في تونس تساؤلات حقيقية حول مصادر الأموال التي تُستخدم في دعم هذه الحسابات، خصوصًا عندما نعلم أن معظم هؤلاء الداعمين هم من خارج تونس، وأغلبهم يخفون هوياتهم خلف بروفايلات مجهولة. ولكن، كيف يمكن لهذه الأموال أن تنتقل من الخارج إلى تونس؟ وهل هي أموال مشبوهة؟
في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد التونسي من أزمة خانقة، ويواجه المواطنون صعوبة كبيرة في تأمين احتياجاتهم الأساسية، نجد أن هذه الحسابات على تيكتوك تتلقى تمويلات ضخمة. البعض يتساءل إذا كانت هذه الأموال تأتي من عمليات تبييض أموال، حيث تُستخدم المنصة كوسيلة لتحويل الأموال إلى تونس. كما أن غياب الرقابة المالية والمحاسبية يزيد من تعقيد الوضع، ويجعل من الصعب متابعة هذه الأموال.
يُحتمل أن تكون بعض هذه الأموال مهربة من تونس نفسها، حيث أن ممارسات تهريب الأموال عبر الحدود تُعتبر أحد المخاطر الاقتصادية التي تهدد الاستقرار المالي في تونس. في هذا السياق، يجب على السلطات التونسية أن تتخذ خطوات حازمة للتصدي لمثل هذه الظواهر، من خلال تعزيز الرقابة على التدفقات المالية ومراجعة العمليات المالية المريبة على منصات التواصل.
التساؤلات القانونية: هل يوجد حماية قانونية في تونس؟
من الناحية القانونية، يواجه هذا الموضوع تحديات كبيرة في تونس. على الرغم من أن الحكومة التونسية قد شرعت في بعض القوانين الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إلا أن هناك ثغرات كبيرة في تطبيق هذه القوانين على منصات مثل تيكتوك. فوجود الأموال المهربة عبر الإنترنت، خاصة عندما يتم تحويلها من دول خارجية، يجعل من الصعب تتبع مصدرها، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للجهات المختصة.
وفقًا للقانون التونسي، يُمنع التهرب الضريبي وغسل الأموال، ويُعدّ تبييض الأموال عبر الإنترنت جريمة يعاقب عليها القانون. لكن تبقى الرقابة على المنصات الاجتماعية مثل تيكتوك ضعيفة للغاية، مما يتيح لبعض الأفراد استغلال هذه الثغرات لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
الدور الحكومي في مواجهة هذه الظواهر
يجب على الدولة التونسية أن تتخذ إجراءات صارمة لمكافحة هذه الأنشطة المشبوهة. ومن بين هذه الإجراءات، يجب تحسين التنسيق بين الأجهزة الأمنية والهيئات المالية لضمان التحقق من الأموال التي ترد من الخارج. كما ينبغي تحسين الشفافية في العمليات المالية على منصات التواصل الاجتماعي، وتعزيز القوانين المتعلقة بكشف مصادر الأموال ومتابعة حركة الأموال عبر هذه المنصات.
من المهم أيضًا أن تعمل الدولة على تحسين المنظومة القانونية التي تحكم النشاطات المالية عبر الإنترنت، وتنظيم منصات التواصل الاجتماعي لضمان عدم استخدامها في غسل الأموال أو تمويل الأنشطة غير القانونية. يُعتبر تطوير نظام رقابي فعّال على مستوى الحكومات والمصارف أمرًا ضروريًا لضمان عدم استغلال هذه المنصات في تحقيق أهداف غير مشروعة.
أموال مشبوهة وأثرها على المجتمع التونسي
هذه الأموال الطائلة التي يتم تداولها على تيكتوك قد تكون لها آثار سلبية كبيرة على المجتمع التونسي. فمن خلال استخدام الأموال لتحقيق أهداف سياسية، أو دعم حسابات تُروج لأجندات غير واضحة، تساهم هذه الظواهر في تعزيز الانقسامات داخل المجتمع. كما أن التأثير النفسي على الشباب التونسي يمكن أن يكون مدمراً، حيث يتعرضون لرسائل دعائية تستهدف عواطفهم، مما يجعلهم جزءًا من دائرة مغلقة من الاستغلال المالي والعاطفي.
من جهة أخرى، يمكن لهذه الأموال أن تؤدي إلى انتشار خطاب الكراهية والتطرف على هذه المنصات، خصوصًا عندما يتم تمويل الحملات التي تحرض على العنف أو تروج للأيديولوجيات المتطرفة.
ضرورة الرقابة الشاملة على منصات التواصل الاجتماعي
في الختام، تُظهر هذه الظواهر الحاجة الملحة إلى تنظيم فعال لمنصات التواصل الاجتماعي في تونس. فبينما يُحتفل بعيد الاستقلال في تونس، نجد أن الاستقلال الاقتصادي والسياسي أصبح مهددًا بسبب غياب الرقابة على الأنشطة المالية التي تتم عبر الإنترنت، وخاصة على منصات مثل تيكتوك. يجب على الدولة التونسية أن تتدخل بشكل فاعل لمكافحة هذه الأنشطة المشبوهة، من خلال تعزيز الشفافية والرقابة، وضمان عدم استغلال هذه المنصات في تحقيق أهداف غير قانونية أو زعزعة استقرار البلاد.