إستغلال مصطلح “الزوالي” لتحيير أسماء الداعمين في تيك توك التونسي

· دقيقة قراءة
الزوالي

تحوّل تيك توك في تونس إلى ساحة لاستعراض المساعدات والتبرعات باسم “الزوالي”، حيث يستغل بعض صنّاع المحتوى هذا المصطلح لاستدرار التعاطف والحصول على دعم مادي مباشر عبر الهدايا الافتراضية. لكن في الواقع، نسبة كبيرة من هذه التبرعات لا تصل إلى مستحقيها، بل تُستهلك في اقتطاعات تيك توك، أو تُوظّف لتحقيق مكاسب شخصية لصاحب البث المباشر. فهل أصبحت مساعدة المحتاجين مجرد أداة لبناء الشهرة والتربّح؟


كيف يتم استغلال “الزوالي” على تيك توك؟


1. التشهير بالمحتاجين بدل مساعدتهم بكرامة


أحد أكبر المشاكل في هذه الظاهرة هو استغلال صور المحتاجين وبث معاناتهم أمام مئات الآلاف من المتابعين. يتم تصوير أشخاص يعيشون في ظروف قاسية دون مراعاة لكرامتهم، فقط لجلب التبرعات. في بعض الأحيان، يتم تضخيم المعاناة أو تحريف القصة لجعلها أكثر تأثيرًا، بينما الحل الحقيقي هو تقديم المساعدة في صمت واحترام دون إذلال المستفيد.


2. اقتطاع تيك توك لنسبة ضخمة من التبرعات


عندما يتبرع المتابعون عبر الهدايا الافتراضية (مثل الورود، القلوب، أو حتى “الأسود” و”اليخوت” التي تصل قيمتها إلى مئات الدنانير)، فإن تيك توك يأخذ نسبة تصل إلى 50% من قيمة التبرع. هذا يعني أن المتبرع يعتقد أنه يساعد محتاجًا، لكنه في الحقيقة يدعم منصة تيك توك أكثر من دعمه للزوالي.


3. تحيير أسماء الداعمين وبناء “براند” على حساب الفقراء


في كثير من البثوث المباشرة، نرى صنّاع المحتوى يبالغون في مدح المتبرعين، ويكرّرون أسماءهم مرارًا وتكرارًا، مما يحوّل الفعل الإنساني إلى استعراض للكرم أمام الجمهور بدلًا من أن يكون هدفه الحقيقي هو مساعدة المحتاجين. البعض حتى يستخدم أساليب مثل “تحديات التبرع” أو مسابقات بين المتبرعين لجمع أكبر قدر ممكن من المال، فيصبح الزوالي مجرد وسيلة لكسب الشهرة على حساب معاناته.

المساعدة الحقيقية: كيف يمكن دعم الزوالي دون استغلال؟


1. التبرع المباشر بدون وسيط


بدلًا من إرسال التبرعات عبر تيك توك، يمكن لأي شخص مساعدة المحتاجين مباشرة دون الحاجة إلى وسيط. هناك عدة طرق لذلك:

دعم الجمعيات الخيرية الموثوقة التي تعمل بشفافية وتصل مساعداتها إلى مستحقيها.

التبرع المباشر للأشخاص المحتاجين دون تصويرهم أو استغلالهم. يمكن لأي شخص مساعدة من حوله بشكل مباشر دون الحاجة لتحويلها إلى استعراض على منصات التواصل الاجتماعي.

تقديم مساعدات عينية بدلاً من المالية، مثل الغذاء، الأدوية، أو دفع فواتير العائلات المحتاجة، مما يضمن أن الدعم يصل دون اقتطاعات أو تلاعب.


2. دعم مشاريع تنموية بدلًا من التبرعات الاستهلاكية


بدلًا من تقديم مبالغ مالية قد تنتهي دون تغيير حقيقي في حياة المحتاجين، يمكن دعم مشاريع تنموية تساعد على تحسين أوضاعهم الاقتصادية، مثل:

• تمويل مشاريع صغيرة للعائلات المحتاجة، مثل عربات بيع أو ورش صغيرة، مما يمكنهم من تحقيق دخل مستدام.

• دعم التكوين المهني للشباب العاطل عن العمل لتمكينه من إيجاد فرص عمل.

• توفير قروض دون فوائد للمحتاجين الذين لديهم مشاريع صغيرة ولكنهم يفتقرون إلى رأس المال.


3. توعية الجمهور بحقيقة التبرعات على تيك توك

فضح طرق الاستغلال التي يمارسها بعض المؤثرين على تيك توك، وشرح كيفية اقتطاع الأموال من التبرعات من قبل المنصة.

تشجيع ثقافة المساعدة الصامتة، بحيث تصبح المساعدات جزءًا من العمل الخيري الحقيقي وليس وسيلة لجذب الانتباه والشهرة.

محاربة “ثقافة الاستعراض” في المساعدات، من خلال التوعية بأن تقديم يد العون لا يحتاج إلى كاميرات أو إعلانات، بل إلى نية صادقة ورغبة حقيقية في تغيير الواقع.


خاتمة: هل أصبحت مساعدة الزوالي مجرد وسيلة لتحقيق الشهرة؟


الهدف الحقيقي لمساعدة المحتاجين يجب أن يكون تحسين حياتهم بكرامة، وليس استخدامهم كأداة لجلب المشاهدات أو تحقيق مكاسب شخصية. إذا كان الدافع وراء التبرع هو فعل الخير حقًا، فهناك العديد من الطرق التي تضمن وصول المساعدات دون استغلال أو اقتطاعات غير مبررة.


موقف الدولة التونسية والقانون من استغلال “الزوالي” على تيك توك


1. هل هناك رقابة على التبرعات عبر تيك توك؟


في تونس، تخضع عمليات جمع التبرعات لقوانين صارمة تهدف إلى ضمان الشفافية ومنع الاستغلال، لكن المشكلة تكمن في أن التبرعات عبر تيك توك تتم خارج أي رقابة رسمية، مما يجعلها عرضة للتلاعب والاحتيال. حاليًا، لا يوجد قانون محدد ينظم جمع التبرعات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهذا يفتح الباب أمام تجاوزات كثيرة، مثل:

• عدم وضوح وجهة الأموال وكيفية توزيعها.

• احتمال استغلال المحتاجين كوسيلة لجمع المال دون وصول المساعدات إليهم.

• عدم وجود تقارير أو بيانات مالية رسمية حول هذه التبرعات.


2. القوانين التونسية المنظمة لجمع التبرعات


وفقًا للقانون التونسي، فإن جمع التبرعات يجب أن يتم عبر إطار قانوني واضح ومرخّص له، حيث ينص الفصل 4 من القانون عدد 88 لسنة 2011 على أن كل جمعية تقوم بجمع التبرعات يجب أن تُعلن عن مصادر تمويلها وكيفية إنفاق الأموال، وإلا فإنها تتعرض للعقوبات القانونية.


كما أن القانون عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال يُلزم الجهات التي تجمع الأموال بضرورة التثبت من مصدر الأموال واستخدامها في الأغراض المصرّح بها.


3. هل يعتبر استغلال المحتاجين جريمة؟


استغلال الأشخاص في وضعية هشّة لتحقيق مكاسب شخصية قد يدخل تحت طائلة القانون الجزائي التونسي، حيث يمكن تصنيفه ضمن:

التحيّل (الفصل 291 من المجلة الجزائية): يعاقب بالسجن كل من يتعمّد استغلال عاطفة الناس أو خداعهم لجمع الأموال.

الابتزاز والتشهير (الفصل 245 و 247 من المجلة الجزائية): يُجرّم نشر صور أو معلومات شخصية عن أشخاص دون رضاهم، خاصة إذا كان الهدف هو التربّح أو الإضرار بهم.

الاستغلال الاقتصادي (الفصل 264 من المجلة الجزائية): يعاقب كل من يستغل ظروف شخص هشّ لتحقيق منفعة غير مشروعة.


4. هل هناك تحرّك رسمي للحد من هذه الظاهرة؟


حتى الآن، لم تتخذ السلطات التونسية إجراءات واضحة لمراقبة التبرعات عبر تيك توك، رغم تنامي الظاهرة وانتشار العديد من حالات الاحتيال والاستغلال. لكن مع تصاعد الجدل، هناك مطالبات من المجتمع المدني والصحفيين بضرورة:

إدراج التبرعات عبر المنصات الرقمية ضمن قوانين جمع التبرعات لضمان الشفافية.

فرض رقابة مالية على الأموال المحوّلة من تيك توك إلى الحسابات البنكية للمؤثرين.

محاسبة الأشخاص الذين يثبت استغلالهم للفئات الهشّة لتحقيق أرباح شخصية.


خاتمة: ضرورة التحرك قبل أن تتحول تيك توك إلى سوق استغلالي مفتوح


في ظل غياب الرقابة، أصبح تيك توك في تونس ساحة مفتوحة للاستغلال المالي باسم “الزوالي”، وهو ما يستوجب تدخّل السلطات التونسية لسدّ الثغرات القانونية وضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها، بدل أن تتحوّل إلى وسيلة للربح السريع لبعض المؤثرين.


السؤال المطروح: هل ستتحرك الدولة لتنظيم هذه الظاهرة قبل أن تتحول إلى “اقتصاد ظل” جديد؟