أزمة التبرعات في تونس بين الحاجة والاستغلال
في تونس، أصبحت التبرعات عبر تيك توك ظاهرة شائعة، حيث يعتمد العديد من الأشخاص المحتاجين على هذه المنصة . ومع ذلك، فإن غياب الشفافية وعدم وجود رقابة صارمة تحولان دون وصول الدعم إلى مستحقيه. بدلاً من أن تتحول هذه التبرعات إلى مصدر دعم حقيقي للمحتاجين، تصبح ساحة للاستغلال التجاري، حيث يتم اقتطاع جزء كبير من الأموال لصالح تيك توك، بينما يظل الزوالي هو الخاسر الوحيد. هذه القضية تطرح تساؤلات عديدة حول أسباب غياب التبرعات المباشرة، وأهمية الجمعيات المرخصة، ومدى قانونية هذه التبرعات وفق التشريعات التونسية.
2. انقسامات بين كبار الداعمين: أين تذهب الأموال؟
في الآونة الأخيرة، تزايدت الخلافات بين كبار الداعمين الذين يرسلون مبالغ ضخمة عبر تيك توك، خاصة عندما بدأ البعض في المطالبة بالشفافية وكشف تفاصيل التبرعات. هذه الخلافات كشفت عن مشكلتين رئيسيتين:
• غياب المحاسبة: لا توجد تقارير أو وثائق رسمية توضح كيفية صرف التبرعات.
• انقسامات بين الداعمين: البعض يدعو للكشف عن تفاصيل التبرعات، بينما يفضل آخرون إبقاء الأمور غامضة، مما أدى إلى خلافات شلت قدرة المتبرعين على تحديد أين تذهب أموالهم.
وفي النهاية، الزوالي هو من يدفع الثمن، حيث تُجمع التبرعات باسمه ولكن جزء كبير منها يضيع في الطريق.
3. لماذا تيك توك وليس الجمعيات المرخصة؟
أ. عدم التبرع المباشر للمحتاجين
السؤال المطروح: لماذا لا تُرسل الأموال مباشرة إلى المحتاجين؟ في حين يدّعي بعض كبار الداعمين أنهم يهدفون إلى مساعدة الفقراء، فإنهم يفضلون التبرع عبر تيك توك بدلاً من استخدام قنوات أكثر شفافية مثل التحويلات البنكية أو التعامل مع الجمعيات المرخصة. السبب وراء هذا القرار هو أن تيك توك لا يتطلب محاسبة أو متابعة، مما يتيح للمؤثرين جمع الأموال بشكل علني دون الحاجة إلى توثيق أو إثبات أين تذهب هذه الأموال.
ب. عدم الاعتماد على الجمعيات المرخصة
في تونس، هناك العديد من الجمعيات الخيرية المرخصة التي تعمل تحت إشراف الدولة وتخضع لمراقبة مالية وإدارية صارمة وفقًا للقانون عدد 154 لسنة 1959، الذي ينظم تأسيس الجمعيات. لكن رغم هذا، يتم تهميش الجمعيات لعدة أسباب:
• عدم رغبة الداعمين في كشف هوياتهم: الجمعيات تتطلب توثيق المعاملات المالية، وهو ما قد يُعرضهم للرقابة.
• غياب الثقة في بعض الجمعيات: بعض الجمعيات تسببت شبهات فساد في فقدان الثقة في قدرتها على توزيع الأموال بطريقة شفافة.
• رغبة في استغلال التبرعات لأغراض شخصية أو دعائية: بعض الأطراف تستغل هذه الفرصة لتحقيق مكاسب إعلامية أو شخصية.
4. كيف تُستنزف التبرعات عبر تيك توك؟
عندما يتبرع شخص بمبلغ ضخم مثل 5,000 يورو، لا يصل إلى المحتاجين سوى نصف هذا المبلغ أو أقل. يعود ذلك إلى عدة عوامل:
• الاقتطاع من قبل تيك توك: يتراوح المبلغ المخصوم من 50% إلى 70% من قيمة الهدايا الرقمية قبل أن تصل إلى المستفيدين.
• الرسوم البنكية والضرائب: عمليات السحب والتحويل تشمل رسومًا إضافية تُقلل من قيمة التبرع.
• الوساطات: تدخل أطراف ثالثة في بعض الحالات مما يُقلص قيمة التبرعات.
في النهاية، من الممكن أن يحصل المستفيد على مبلغ أقل بكثير مما تم التبرع به.
5. الجانب القانوني: هل التبرعات عبر تيك توك قانونية في تونس؟
وفقا للقانون التونسي، يتطلب جمع التبرعات إطارًا قانونيًا صارمًا، وإلا يعتبر العمل خرقًا للقانون. أبرز القوانين التي تُنظم جمع التبرعات هي:
أ. قانون الجمعيات (القانون عدد 154 لسنة 1959)
ينص هذا القانون على أن الجمعيات المرخصة فقط هي من يحق لها جمع التبرعات وإدارتها. وبالتالي، فإن أي شخص أو جهة تجمع التبرعات دون ارتباط رسمي بجمعية مرخصة تُعد خرقًا للقانون وقد تتعرض للمسائلة القانونية.
ب. قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015)
يفرض هذا القانون رقابة شديدة على التحويلات المالية، وخاصة تلك التي تأتي من الخارج، وذلك للحد من عمليات غسل الأموال واستغلال التبرعات لأغراض مشبوهة.
ج. قانون الصرف والتحويلات المالية
يشترط القانون التونسي أن تتم التحويلات المالية عبر القنوات الرسمية مثل البنوك أو الجمعيات المسجلة قانونيًا، وإلا تُعتبر المخالفات خرقًا لقوانين الصرف.
وبناءً على ذلك، فإن التبرعات عبر تيك توك تخرج عن إطار الرقابة الرسمية، وتخضع لشكوك قانونية بسبب عدم وجود قوانين واضحة تنظّم هذه العمليات.
6. الحلول الممكنة: الشفافية أو المقاطعة؟
لتفادي استغلال التبرعات، يمكن اتخاذ مجموعة من الحلول:
1. التبرع المباشر عبر القنوات الرسمية: التبرع عبر البنوك أو الجمعيات الموثوقة يضمن وصول الدعم مباشرة إلى المستحقين.
2. تشجيع التبرعات عبر الجمعيات المرخصة: التي تعمل تحت إشراف الدولة وتلتزم بالشفافية.
3. مراقبة منصات تيك توك: يمكن للسلطات فرض قوانين تلزم تيك توك بالكشف عن تفاصيل التبرعات، وبالتالي ضمان وصول الأموال إلى المستفيدين.
7. الخاتمة: هل سنظل ضحايا الاستغلال؟
ما يحدث اليوم هو استغلال للأشخاص المحتاجين في تونس، حيث تُجمع التبرعات باسمهم ولكن الجزء الأكبر منها يذهب إلى تيك توك وأطراف ثالثة أخرى. السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا يُفرض إطار قانوني يحمي المستحقين ويضمن وصول الدعم إليهم؟
من الضروري أن يتحرك المسؤولون التونسيون لتنظيم هذا المجال، وضمان أن الأموال تُصرف وفقًا للقوانين وبشفافية تامة. يجب أن نكافح الحسابات الوهمية وأن نوفر منصات قانونية لجمع التبرعات لضمان أن يكون الدعم فعلاً لمستحقيه.
المراجع القانونية:
• القانون عدد 154 لسنة 1959: قانون الجمعيات التونسي الذي ينظم جمع التبرعات.
• القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015: قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
• قانون الصرف والتحويلات المالية التونسي: الذي ينظم عمليات التحويل المالي إلى وخارج تونس.