داعمون يتحولون إلى ستريمرات
في الأيام الأخيرة، شهدنا تحولًا مفاجئًا لبعض الداعمين المعروفين في الحملات الخيرية إلى ستريمرات على منصات مثل تيكتوك. هؤلاء الداعمون، الذين كانوا يروجون لجمع التبرعات تحت غطاء “دعم المحتاجين” و “قفة رمضان”، قرروا التوجه إلى دورات تمويلية وهمية تروج لفكرة أن الربح يذهب للمحتاجين، وهو ما جعل العديد من المستخدمين يعتقدون أن مساهماتهم ستصل إلى أيدي الفقراء.
لكن، في الواقع، الجزء الأكبر من الأموال لا يصل إلى المستفيدين. بل إن هناك جهات مشبوهة وراء هذه الحملات، حيث تتنقل الأموال من جيب لآخر دون أي إشراف رسمي أو قانوني. تيكتوك، الذي يأخذ نصف المبلغ المجموع، يساهم بشكل غير مباشر في هذه الفوضى المالية.
الغموض حول هوية الداعمين: من وراء الصوت المخفي؟
من المثير للدهشة أن العديد من الداعمين في هذه الحملات لا يكشفون عن هويتهم. هؤلاء لا يظهرون وجوههم بل يكتفون بالصوت فقط، مما يجعل من المستحيل تتبعهم أو التحقق من مصداقيتهم.
والأكثر إثارة للقلق هو أن بعضهم يعيش خارج تونس، مما يزيد الشكوك حول النية الحقيقية وراء جمع هذه الأموال. هل هم فعلاً يسعون لمساعدة المحتاجين أم أن لديهم أجندات أخرى؟
وبجانب ذلك، كوميتة الداعمين أو مجموعات الدعم المشتركة بين هؤلاء الأشخاص تبدو مشبوهة في تصرفاتها، حيث لا توجد أي رقابة أو إشراف على كيفية إدارة الأموال أو توزيعها.
غياب الشفافية: الأموال تتداول دون معرفة المصدر
كل هذا يدور في دائرة مغلقة من الغموض. لا توجد أسماء واضحة، ولا وجوه معروفة تمثل هؤلاء الداعمين. الأموال تتنقل دون أي تتبع مالي، ولا توجد آلية للتحقق من مدى وصول التبرعات إلى المستحقين.
والأغرب من ذلك، أن المصدر دائمًا مجهول، حيث يتحدث هؤلاء الداعمون عن مشاريع خيرية ضخمة لكن دون إظهار أي دليل على صحة هذه الادعاءات. الأرقام تتداول بسرعة بين الأيدي، ولكن أين تذهب الأموال؟ هذا السؤال لا يجد له إجابة واضحة.
الدولة: غائبة عن المشهد!
والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو: أين الدولة؟ لماذا لا تتدخل الحكومة التونسية لفرض قوانين لتنظيم جمع التبرعات، خاصة وأن هذه الأموال قد تكون مستخدمة لأغراض غير قانونية أو مشبوهة.
للأسف، كما هو الحال في كثير من المواقف الأخرى، الدولة ساكتة. لا توجد أي إشارات أو تدابير واضحة للحد من التحايل المالي أو لضمان وصول الأموال إلى المحتاجين الحقيقيين. فالدولة تتعامل مع هذه الظاهرة وكأنها لا تراها أو لا تبالي بها.
الحلول الممكنة: أين دور الحكومة؟
من أجل تصحيح هذا الوضع وضمان أن التبرعات تصل إلى المستحقين، يجب على الحكومة التونسية اتخاذ خطوات فورية تشمل:
1. إقرار قوانين تنظيمية لجمع التبرعات على منصات مثل تيكتوك، بحيث لا يتم السماح للأموال بأن تُجمع بشكل غير قانوني أو دون رقابة.
2. فرض إجراءات شفافية على جميع الحملات الخيرية، بحيث يتم توثيق الهوية الكاملة للداعمين والمستفيدين من التبرعات.
3. إنشاء جهة رقابية مستقلة تعمل على متابعة جميع التبرعات، وتتحقق من وجهتها ومصدرها، لتجنب غسيل الأموال أو استغلال المواطنين.
4. تثقيف الجمهور حول مخاطر التبرعات الإلكترونية وأهمية التأكد من أن التبرعات تذهب إلى الأشخاص الذين في حاجة إليها فعلاً.
وقت العمل قد حان!
اليوم، ومع تزايد الحملات المشبوهة على منصات التواصل الاجتماعي، أصبح من الضروري أن تتحمل الدولة التونسية مسؤولياتها في حماية أموال المواطنين وضمان وصول التبرعات إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها بالفعل. الشفافية والمساءلة يجب أن تكون الأولوية، وليس التعتيم على هذه الظواهر.