تبرعات، داعمون مخفيون، أموال ضخمة، سبّان وهتك للأعراض في حرمة رمضان
منصات التواصل… ساحة للفوضى المالية والأخلاقية
في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون شهر رمضان مناسبة للتكافل والتضامن، تحولت منصات التواصل الاجتماعي في تونس، وعلى رأسها “تيكتوك”، إلى مسرح لفوضى مالية وأخلاقية غير مسبوقة. مسابقات التبرعات بين صانعي المحتوى، التي تُروَّج تحت عناوين براقة مثل “مساعدة المحتاجين” و”الأعمال الخيرية”، باتت غطاءً لاستعراض النفوذ المالي، تبادل الشتائم، هتك الأعراض، وانحدار أخلاقي خطير، دون أي رقابة أو تدخل رسمي.
تبرعات بالملايين… لكن لمن؟
على مدار الشهر، تتسابق الحسابات الكبيرة على “تيكتوك” في تنظيم ما يُعرف بـ”الجولات”، حيث يتلقى المؤثرون مبالغ ضخمة من التبرعات الرقمية عبر الهدايا الافتراضية. لكن الغريب أن بعض الأسماء تحقق أرقامًا خيالية بدعم من “كبار الداعمين”، شخصيات غامضة تضخ آلاف الدولارات بشكل متكرر.
السؤال الذي يطرحه الجميع: من هم هؤلاء الداعمون؟ ولماذا ينفقون هذه المبالغ؟ وهل هناك جهات تستغل هذه الأموال لأغراض غير معلنة؟
في غياب أي شفافية، يبقى مصير هذه التبرعات مجهولًا. في حين يُفترض أن تصل هذه الأموال إلى الفئات المحتاجة، لا توجد أي جهة رسمية تراقب كيفية صرفها. الأسوأ أن هذه الأموال قد تتحول إلى وسيلة لغسيل الأموال أو تمويل شبكات غير قانونية دون حسيب أو رقيب.
السبّان، العنف الرقمي، وهتك الأعراض: الوجه القبيح للمنافسة
ما كان يفترض أن يكون ساحة للعمل الخيري، تحول إلى حلبة صراع تتجاوز فيها المنافسة كل الحدود الأخلاقية. في كل ليلة، تشتعل “حروب الجولات”، حيث يتبادل المؤثرون الشتائم العلنية، الاتهامات، وأحيانًا حتى التهديدات، فقط لجلب المزيد من التفاعل والتبرعات.
يتم استغلال كل الوسائل الممكنة لإثارة الجدل، حتى لو كان ذلك على حساب أعراض الناس وكرامتهم. وصل الأمر ببعض المؤثرين إلى فضح أسرار شخصية، إهانة المنافسين، والترويج لخطاب الكراهية، كل ذلك في بث مباشر يتابعه الآلاف، بينهم قُصّر يتعرضون يوميًا لمحتوى غير لائق.
غياب الرقابة: الدولة تراقب بصمت
في أي دولة تحترم قوانينها، تُخضع المعاملات المالية الرقمية للرقابة، وتتم محاسبة أي جهة تتعامل مع تبرعات دون تصريح رسمي. أما في تونس، فالوضع مختلف تمامًا. رغم التحذيرات العديدة، لا تزال السلطات تتجاهل هذا الفوضى الرقمية، تاركة المجال مفتوحًا لاستغلال المنصات الرقمية بطرق غير قانونية أو أخلاقية.
في وقت تُفرض فيه قوانين صارمة على المؤسسات الخيرية التقليدية، لا يوجد أي إطار قانوني ينظم هذه التبرعات الرقمية. لا أحد يعرف ما إذا كان هؤلاء المؤثرون يدفعون الضرائب على هذه الأموال، أو كيف يتم التصرف بها. بل إن بعض الحسابات أصبحت تمثل قوة مالية تفوق بعض الجمعيات الرسمية، دون أي التزام قانوني أو محاسبة.
إلى متى؟
إذا استمرت الدولة في موقف المتفرج، فإن هذه الفوضى لن تتوقف. بل قد تتفاقم، لتتحول هذه المنصات إلى اقتصاد موازٍ، يعمل خارج أي رقابة، حيث تتحكم الأموال المشبوهة في الرأي العام، ويصبح التأثير الاجتماعي سلعة تُباع لمن يدفع أكثر.
رمضان هو شهر الرحمة والتضامن، لكنه في تونس بات أيضًا موسمًا للسبّان، الفساد الرقمي، وهتك الأعراض. السؤال الذي يجب أن يُطرح: متى تتحرك الدولة؟ وهل ستبقى هذه المنصات خارج أي إطار قانوني، أم أن الوقت قد حان لوضع حد لهذه المهزلة؟